القصة الجديدة بعنوان :
وفجاة سقطت كل ملابسه فحكم بالبراءة !
لا أحد يلوم مدير المسرح إذا قرر وقف هذا الممثل , فقد تغيب عن العمل فى مدى عشرين شهراً ثلاث مرات دون إذن سابق .
ثم أن غيابه عن الحفلة الأخيرة التي حضرها بعض الأغنياء ورجال السلطة , غلطة لا يمكن أن يغفرها أحد ,
ولكن مدير المسرح قرر أن يكون حليماً فأستدعى الممثل .. وأغلق عليهما الباب وسأله :
هل من حقي الآن أعرف سر تغيبك عن الحفلة الأخيرة .
فقال الممثل بعد أن جلس هادئاً وكأنه عرف القرار , وكان يتوقعه :
من حقك طبعاً سواء كنت أعمل هنا أو في أي مكان آخر ..
فقال المدير :
يبدو إنك لا تريد أن تعتذر ! هذا غريب ! كأنك مرغم على كل ما فعلت . أو كأنك مقتنع تماماً بأنك على حق .
فأجاب الممثل : كأنني فعلاً !
ولم يكن مفهوماً هذا الحوار , وهنا قال له الممثل :
هل عرفت عني أنني أكذب ؟
- لا !
- وهل عرفت عني إنني أشرب الخمر حتي أفقد وعي ؟
- لا !
- هل عرفت عني أنني مهمل في عملي ؟
- لا !
- إذن ؟
- هذا ما أريد أن أعرفه .
- هل أطلب إليك شيئاً واحداً يبدو غريباً ولكنه حقيقي , هو أغرب من كل ما عرفت أنت وما عرفت أنا ..
ولكن ما حيلتي .. أنها أمور هذه الدنيا .. ونهاية هذا القرن التاسع عشر !
- يبدو أنني سأوافق علي ما تقوله .
- إتفقنا .. سوف أروي للسادة المشاهدين بعد نهاية الفصل الأخير من مسرحية الليلة ما حدث لي في الشهور الأخيرة .. وليس هذا عذراً عن الغياب .. ولكنها محاولة يائسة لإنقاذ سمعتي , وإن كانت لن تؤدي إلى إنقاذ حياتي ..
- كيف ؟
- لا أفهم!
- ولا أنا ..
- إتفقنا !
وفي اليوم التالي وبعد نهاية المسرحية وقف الممثل الأمريكي روبرت هوبل على أحد مسارح نيويورك في يوم 13 أكتوبر سنة 1879 أمام الستار .
وأندهش المشاهدون , ولكنه وقف صامتاً , يشير بيديه إلى كل الناس أن يجلسوا , فلديه ما يقوله لهم الآن.
ويبدو أن الأمطار الغزيرة في شوارع نيويورك قد شجعت الناس على البقاء في داخل المسارح .
فقدم نفسه على إنه الممثل الذي يعرفونه .. ولكنه عاد ليقول :
إن هناك صورة أخرى له لا يعرفونها .. وأنه قرأ الفلسفة ودرس الأديان المقارنة , وإنه له إهتمام بالأرواح والأشباح , وقد قرأ الكثير .
وإنه قرأ الكثير , وفي نيته أن يكتب معنى ما قرأ , وأكثر من ذلك أنه يريد أن يروي تجاربه الخاصة .. نعم تجاربه الخاصة , التي ما تزال تشغله حتى هذه اللحظة , نعم هذه اللحظة التي يقف فيها على المسرح ويرى ويسمع أشياء كثيرة لا يدركها أحد سواه ..
قال إنه سمع عن بيت جميل في أطراف مدينة نيويورك
فى هذا البيت تحدث أشياء غريبة لا يصدقها أحد , ولكنه يصدقها بعقله .
في هذا البيت أسرة صغيرة مكونة من أب وزوجة , وأختين لهذه الزوجة واحدة منهما أسمها ماجدة , وماجدة عمرها 17 عاماً , في صحة جيدة , وجميلة جداً .
وكل شئ حدث في ذلك العام بسرعة في إحدى الليالي - دائماً في الليل - كانت الأختان تنامان في فراش واحد عندما صرخت ماجدة : فأر .. فأر !
وقفزت الأختان من السرير بحثاً عن هذا الفأر , ولكنهما لم تجداه , ونامت الأخت ولكن ماجدة لم تنم , فهى على يقين من أن الذى كان يجري تحت الغطاء فأر , لاشك في ذلك !
وفي اليوم التالي جلست الأختان على السرير ولكن ماجدة إستمعت إلى صوت موسيقى ينبعث من الصندوق الموسيقي الموجود بالغرفة , ولكن أختها لم تسمع هذه الموسيقى , وحاولت ماجدة أن تقنعها بذلك , ولكنها لم تصدقها , ثم تعالى صوت الموسيقى المنبعث من الصندوق .
فظنت أختها إنها هي التي لعبت في الصندوق , ولكن فجاءة أرتفع الصندوق الموسيقي فوق الأرض حتى رأته الأختان ثم هبط إلى مكانه على الأرض , وسارعت الأختان تفتحان الصندوق فلم تجدا فيه شيئاً .
وعندما تمددت ماجدة إلى جوار أختها أحست بإنتفاخ شديد في بطنها .. حتى أحست أن بطنها قد تضخم أكثر مما يجب .. وراحت تشكو من الآلام في أحشائها .. ثم سمع كل من في البيت صوت الرعد خارج البيت ولما فتحوا النوافذ وجدوا أن السماء صافية !
وعند الصباح أختفى الإنتفاخ وأحست الفتاة أن جسدها يرتجف من البرد , فوضعوا فوق جسمها كل الأغطية ..
ولكن هذه الأغطية كانت تنسحب وحدها وتتكوم في مكان من الغرفة , وجلس أفراد الأسرة على أطراف الأغطية , ولكن الأغطية تنسحب من تحت الجميع !
ومع دهشة كل أفراد الأسرة يتعالى صوت الرعد في داخل الغرفة !
أما طبيب الأسرة فكان الدكتوركاربت وهو أيضاً أديب ومن آماله أن تظهر إحدى مسرحياته في نيويورك وهو بالطبع يعرف الممثل روبرت هوبل .
ولكن الدكتور كاربت لم يستسلم للدهشة , ولم يبرح الغرفة ونظر إلى الفتاة فوجد الفزع والبراءة والضجر على وجهها . وإنسحب بمقعده بعيداً عنها , وتكرر صوت السلاسل والأجراس في الغرفة .. ونظر وراءه فوجد على الحائط هذه العبارة :
يا ماجدة سوف أقتلك
وأقترب من الحائط ومد أصابعه إلى حروف هذا التهديد ومحا بأصابعه هذه الحروف . ولم يكد يجلس في مقعده وينظر وراءه حتى وجد التهديد مكتوباً من جديد ..
وفتح الطبيب حقيبته وأخرج بعض الحبوب المهدئة .. أعطى الفتاة حبتين وأبتلع هو ثلاثاً . وأنسحب .
وفي اليوم التالي عاد الطبيب ليرى ماذا جرى , إنها شجاعة طبيب يريد أن يفهم . وفي اللحظة التي دخل فيها الطبيب غرفة الفتاة أستقبلته المخدات والأغطية وتفادى بعضها ولكنه أصر على أن يعرف من الفتاة أي شئ , ولم يكن لديها ما تقوله , فهي أيضاً لا تعرف شيئاً .
وسمع رجال الدين بما حدث , فجاء واحد منهم وقال لابد من ضربها بالسياط لتخرج منها العفاريت , وحاول أقناع أهلها , ولكن عندما رأى الفتاة بهذه البراءة واليأس والضعف والجمال , عدل عن ضربها لأي سبب .
وجاء واحد آخر من رجال الدين وقال : عرفت السبب .
وتلفت الجميع فقال : أنها الكهرباء !
وكانت أمريكا قد أكتشفت الكهرباء منذ ثلاث سنوات , أما أول ترام فقد سار في شوارع أمريكا منذ سنة واحدة , وكثيرمن الناس قد صعقتهم الكهرباء , أو إنها مستهم فأحرقتهم أو أحرقت بيوتهم ..
وكان هناك شعور سائد بأن الكهرباء قوة خفية كالعفاريت تماماً , بل إنها أقوى من العفاريت !
وكان هناك شعور سائد بأن الكهرباء قوة خفية كالعفاريت تماماً , بل إنها أقوى من العفاريت !
وإقترح أحد رجال الدين أن الفتاة إذا نامت في غرفة مضاءة بالمصابيح القديمة , فإن شيئاً من ذلك لن يحدث وأطفئت الأنوار , وعادت الشموع , ومع الشموع عاد الهدوء والبهجة , وراح الناس يتحدثون عن بركات رجال الدين ومضار الكهرباء .
فدعتهم الأسرة إلى عشاء على ضوء الشموع , وكانت ليلة رائعة حقاً , فقد راحت السماء تمطر أعواد الكبريت المشتعلة ! ولم يعرف أحد من جاءت أو متى تتوقف هذه الألعاب النارية .
ومن الغريب أن هذه الأعواد لم تصب أحداً بضرر , إنها تتساقط دون أن تحرق أحداً .. ولكن الرجال هربوا جميعاً وأضيئت أنوار الكهرباء يأساً من سحر الشموع !
وأقترح بعض أفراد الأسرة أن تذهب ماجدة إلى مدينة أخرى لزيارة بعض أقاربها للراحة , وذهبت الفتاة , ولم يحدث أي شئ . كانت تنام نوماً عميقاً ليلاً ونهاراً , لا خوف عليها ولا خوف منها .
وكان من الطبيعي أن تروي هذه الأشياء الغريبة التي وقعت لها وكان الناس يصدقون أو لا يصدقون .
وكان من الطبيعي أن تروي هذه الأشياء الغريبة التي وقعت لها وكان الناس يصدقون أو لا يصدقون .
وعندما زرات جارة لها شبت النار في هذا البيت , وأتهمها أهل البيت بأنها هى التي أشعلت النار عن عمد .
وإعتقلها البوليس وحوكمت وصدر الحكم عليها بالسجن .
ولكن تقدم أناس كثيرون يدفعون عنها تهمة إحراق البيوت .. ولم يجد القاضي دليلاً أقوى من صراخ جمهور المحلفين .. فقد وجد كل واحد منهم منديله يحترق في جيبه !
ولكن تقدم أناس كثيرون يدفعون عنها تهمة إحراق البيوت .. ولم يجد القاضي دليلاً أقوى من صراخ جمهور المحلفين .. فقد وجد كل واحد منهم منديله يحترق في جيبه !
وعادت الفتاة إلى بيتها , إلى غرفتها وإلى فراشها .. لتنام وحدها فلم يعد أحدً قادر على أن ينام إلى جوارها .
وسمع الناس حوادث هذه الفتاة , وجاء واحد من علماء الطبيعة وإسمه البرفيسور الآن كراكود , أنه لايؤمن بشئً من ذلك , ولكنه يريد أن يعرف وإستأذن أن ينفرد بالفتاة . وأنفرد بها ..
وسألوه : أن كان قد أقتنع , فقال : أعتقد ذلك !
أما نظرية هذا العالم فهو أن هذه الفتاة بها قوة كهربية من نوع غريب .. وأنه أعطاها سلكاً من النحاس . فلم تكد الفتاة تلمس طرف السلك حتى أصابته رعشة شديدة ..
ثم أعطاها عوداً من الحديد .. ولم يكد يلمسه حتى وجده حامياً كأنه وضع في فرن !
ثم روى أن السلك ألتف حول عمود الحديد بسرعة ثم طار في الهواء ليقترب منه وإذا هو يذوب عرقاً .. ويكاد قلبه أن يتوقف !
ومضى الممثل روبرت هوبل يقول إن واحداً من أقارب الفتاة قد وجد إنها فرصة نادرة لكي يكسب من ورائها الملايين , وأخذها إلى مدينة واشنطن وهناك ذهب إلى أحد الأندية .
ولكن عندما ظهرت الفتاة أمام الجمهور , لم تمطر السماء أعواد الكبريت المشتعل .. ولم يسمع الناس أصوات الرعد .. ولا تطايرت السندويتشات من أيدي الناس .. وأعاد الرجل الفلوس إلى الجمهور ..
ولكن أحد رجال الدين أعتقد أنه يستطيع أن يشفي الفتاة مما بها ..
ودعاها إلى الكنيسة .. وهناك راح القسيس يردد الآيات الأخيرة من الإصحاح الثالث من سفر النبي حبقوق .
يقول القسيس : سمعت فأرتعدت أحشائي , ومن الصوت أرتجفت شفتاي .. سمعت وأرتعدت في مكاني .. وأرتجفت شفتاي .
ولما سمع القسيس صوت الطبول عالياً مداوياً في أرجاء الكنيسة .. وسمع الأرغن يعزف من تلقاء نفسه أرتجف وأرتعد وسقط مغشيا عليه .. وهرب كل من كان في الكنيسة !
ولا أحد يعرف لماذا توقفت هذه الأشياء الغريبة , ولم تحدث للفتاة , وأنما أنتقلت إلى أخيها الأصغر والذي يقيم فى مدينة أخرى .. فقد كان يمشي في الشارع وفجاءة يجد ملابسه سقطت عنه كلها في لحظة واحدة !
وقدم إلى المحاكمة بتهمة الفعل الفاضح ..
وحكم عليه بالسجن , لكن في اللحظة التي سحبه فيها الجنود إلى السجن .. فوجئ القاضي وكل الحاضرين بأن الجندي نفسه قد سقطت ملابسه كلها قي لحظة واحدة .. وصرخ الناس .. وعندما غضب القاضي وراح يدق المنصة بيده .. لم يجد المطرقة التي يدق بها .. وعندما حاول أن يجدها تطايرت الباروكة من فوق رأسه .. وأزداد غضبه وأعلن رفع الجلسة لتسقط ملابسه كلها على الأرض .. وتم الإفراج عن الشاب الصغير !
وعندما وصل الممثل روبرت هوبل إلى هذا الجزء من حديثه الطويل والمثير , توقف عن الكلام , وهو يقول :
سيداتي سادتي .. أقدم لكم الآن الفتاة والأسرة التي وقعت فيها ولها كل هذه الأهوال .. أنهم وراء هذا الستار ..
وأنفتح الستار
وأنحني الممثل روبرت هوبل .. ثم رفع رأسه ونظر وراءه يتطلع إلى الفتاة وأسرتها .. ولكنه لم يجد أحداً .. فسقط على خشبة المسرح منهاراً !
وراح الناس يصرخون : أنظروا .. أنظروا .. لقد سقط الممثل روبرت هوبل بينما ظلت قبعته معلقة في الهواء !
وتزاحم الناس على أبواب الخروج , وبعد لحظات خلا المسرح تماماً من الناس ..
أما الممثل روبرت هوبل فقد مات !
أنتهت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق