" وردة المصرية "
تصلي في متحف القاهرة
يقول الكاتب "أنيس منصور" في قصته الجديدة :
لا تأخذ رأي أم في أبنها , أنها تراه أعظم إنساه في العالم , اليوم وغداً .
ولا تأخذ رأي عدو في عدو .. إنه يرآه أسوأ إنسان في أي مكان . ولا تأخذ رأي إنسان في نفسه , إنه عادة يظلم نفسه , فهو يبالغ في قيمة قدراته , أو إنه لا يرى لنفسه قدرة على
الإطلاق ..
وهكذا ترى أن الإنسان - كل إنسان - ظالم لغيره ولنفسه .
ولكن كيف إتفق كل الناس على هذا الرجل الإنجليزي الذي أسمه أدوارد كراولي(1875-1947) .
أجمعوا الناس على أنه إنسان سافل وله قدرات خارقة ولا
ضرورة لها .. إنه مثل إنسان غني جداً وسفيه جداً ويبدد
أمواله على شراء أغطية الزجاجات الفارغة .. أو بأن يجعلها قراطيس - لقشر اللب - أنه كشئً من هذا .
والذي يرى كراولى في الصباح يمشي عارياً تماماَ .. ويتسلق الجدران .. ثم يغمض عينيه يقف على ساق واحدة ويقفز من جدار إلى جدار .. ثم يلقي بنفسه على الأرض فيهبط برفق وكأنه سقط بمظلة خفية , فيقول إنه ساحر قد تمكن من كل حيل الساحرينوفي الليل ينام على الأرض عارياً تماماً .. ولا أحد يدري كيف إنه يشير بأصبعه إلى أحد فإنك لاتراه , فإذا هو يرتفع من الأرض ويستقر على السرير .. ويجئ الغطاء يلتف حوله بإحكام شديد .. وينطفئ نور الغرفة .. ويجئ النوم له , ويهرب من أعين الذين شاهدوا ذلك !
غداً نلتقي ..
ويكمل الكاتب :
وإذا سار كراولي في الشارع فأن عينيه لا تستريحان على إمرأة واحدة , إنه يدور حول كل إمرأة , وفي كل جسم ...
ويقال لأمه : أبحثي له عن عروس ؟
وتقول الأم : وهل تكفيه واحدة ...
ويصرخ كراولي : واحدة لا تكفي سوف أذهب إلى أواسط أفريقيا ليكون لي حريم من أجمل الزوجات !
ويختفي كراولي بضعة أيام ليعود إلى لندن وقد تحول إلى شيخ قبيلة أفريقي: أسود اللون مجعد الشعر .. ووراءه عشرة من نساء القبيلة ..
ومن الغريب أنه يتكلم لغة لا يعرفها أحد .. وأن له أولاداً يبلغون العاشرة والعشرين من العمر ! وقصة أدوارد كراولي هذا قد تناولها عدد كبير من الأدباء ,
آخرهم أديب أنجلترا "كولن ويلسون" في كتابه الأخير (القوى الخفية )
وكولن ويلسون هذا هو من أكثر الناس حماساً وتصديقاً لعجائب الأديب الشاعر الغريب أدوارد كراولي .. وفي مذكرات كراولي يقول : ما الذي لا أستطيعه-أو ما الذي لاتستطيعه تلك القوي الخفية في أعماقي والتي تحركنى
أو التي تلهو بي ..
ليتها أعطتني طعاماً وشراباً ومالاً .. بدلاً من هذه القدرة
النافذة على تسلق الجدران والتلال والجبال .
إن كراولى لا يعرف كم عدد الأسطح التي سار فوقها ولا عدد التلال التي مشاها .. ولا عدد الجبال التي قفز من فوقها , أو تدحرج إليها ..
إنه لا أسماءها .. ولكن يستطيع أن يصف الطرق الصاعدة والهابطة حجراً حجراً .. وقد إختبره عدد كبير من متسلقي الجبال في أوروبا والتبت والهند - فقد سافر إلى كل أركان العالم , وفي ظروف غامضة .. يقول في كتابه " كتاب القانون " : هذا الكتاب إستوحيته من روح حوروس العظيم .. إنني أتطلع إلى وجهه .. وأعطي له نفسي , وهو الذي يملي من داخلي .. ما كتبت حرفاً إلا بإذنه ..
ولا قمت بشئً إلا تطبيقاً لمشيئته .. على هداه سرت , وعلى هداه كتبت .. وإرضاءً له أفعل كل ما أستطيع .. ولم يكتف كراولي بعبادة حوروس ولكنه أقنع زوجاته بذلك .فقد تزوج أربعين مرة ..
في إحدى المرات تزوج عشرين إمرأة في وقت واحد .. ويقول إنه لم يعرف كيف يتخلص من العشرين زوجة .. ولكنه ترك هذه المهمة للزوجات أنفسهن .. فليس أقسى من المرأة على المرأة .. وليس أقدر في القضاء على المرأة إلا المرأة ..
ففي إحدى الليالي السحرية في باريس , أقام كراولي صلاة جنسية .. أشعل الأضواء الحمراء , وتعرت الزوجات .. وتعرى كراولي .. وظهرت على الجدران صورة حوروس الآله الفرعوني الساحر .. وتعالت الصيحات .. وذاب الجميع في الجميع .. وهرب كراولي إلى الهند في تلك الليلة ., ونام عارياً على الجبل .. وفي الصباح أحس بشئ من البرودة ..
وعندما إستيقظ من نومه وجد إحدى زوجاته إلى جواره ..
وكأنها نامت إلى جواره طول الليل وسألها ببرود :
كم واحدة قتلت ؟
فأجابت بنفس البرود : كلهن .
وصرخ فيها يقول :
وتريدين مني أن أسكت على هذه الجريمة , أذهبي فأنت طالق .. وأنت ميتة .. وهن جميعاً ينتظرن قدومك..فإذهبي
لما هو أقسى من الموت .. إذهبي إلى ضحاياك !
وإختفت الزوجة ..
وكان هذا الرجل كراولي يعلم إنه ليس هو الوحيد في العالم . فكتب في مذكراته يقول :
في الدنيا كثيرون لهم قدرات عظيمة .. ولكن التواضع يمنعهم من الكلام , والذهول يمنعهم من الظهور .. إنهم قد أدركوا أنهم ألعوبة في أيدي قوى خفية .. وأخجلهم ذلك .. إنهم لا يعرفون ما الذي يفعلونه .. إنهم مثل فتاة جميلة جداً تزوجت رجلاً أعمى .. وعاشت معه في جزيرة .. إنها لا ترى سبباً لأن تغسل وجهها .. ولا أن تفتح فمها بالكلام ..ما الفائدة ؟
أن زوجها ووحيدها ورجلها لا يرى .. فلا معنى لشئ .. هؤلاء الناس وما أكثرهم , لا ينطقون . فالناس من حولهم قد أصابهم الصمم والعمى .. وقد شغلتهم الدنيا عن كل شئً آخر ..
ويقول : الوحش هو أشرف الكائنات .. لأنه طبيعي , لا يكذب .. ولا يلف ولا يدور .. إذا أراد فعل .. وإذا فعل فقد حقق إرادة الله .. أو الإرادة التي لا يعرفها .. والذي لا يفعل ذلك إنسان , أي وحش كاذب !
ولكن كراولي في كل ما كتب لا يصف بالضبط ماهي القدرات الخفية التي في داخله . فقط يروي الحوادث و النوادر وعلى الناس أن يفكروا بعده في أي شئ .. يقول :
انه كان في مدنة كلكتا بالهند .. هاجمه خمسة من اللصوص .. ولم يكن معه سلاح ..
وحاولوا قتله ولكنه أختفى منهم أو أختفي عنهم .. كيف حدث ذلك ؟ يقول :
إنه لم يهرب ..
ولكنه إستطاع فقط أن يؤثر على عقولهم وأن يضع فيها بقعة سوداء . هذه البقعة جعلت كل شئ يبدو أسود.. العالم كله وهو ضمن هذا العالم .. فهم لم يروه ولذلك لم يهاجموه.
وقد نجا وسط هذا الظلام الذي أغرقهم فيه !