الاثنين، 16 أكتوبر 2023

متابعة لما "قرأت لكم" قصة جديدة بعنوان (يكفي جداً : غرفة ومنضدة ومقعدان !) من كتاب "أرواح وأشباح" لأنيس منصور

يكفي جداً :  غرفة ومنضدة ومقعدان

هكذا أطلق الكاتب على هذه القصة ذلك العنوان .. فإلى ماذا يهدف هذا العنوان وإلى ماذا تحكي وقائع هذه القصة .. فلنتابع الأحداث :

 أنت لاتستطيع أن تشتم بيتاً أو دكاناً في إنجلترا .. لأن هذا الشتم نوع من السب العلني يعاقب عليه القانون .
مثلاً :
إذا قلت أن هذا البيت تنبعث منه روائح كريهة , أو إذا قلت أن هذا منهار وربما سقط هذا العام أو غداً .. أو إذا قلت أن هذا البيت مسكون بالعفاريت , كل هذه أنواع مختلفة من السباب العلني

والقانون يحمي البيوت من هذه التشنيعات التي تؤدي إلى أن يهرب منها السكان , وفي ذلك خراب على أصحاب البيوت ..

ولذلك فإن الكونت لوي هامون عندما كتب قصصه المشهورة عن البيوت التي تسكنها الأرواح والأشباح لم يشأ أن يذكر عناوينها إلا بعد أن أثبت ذلك بمحاضر البوليس .

مرة واحدة أعتذر رسمياً عن كل ما قاله عن أحد البيوت , مع إنه هو الذي رأى وسمع بنفسه كل ما جرى في داخل البيت , ولكنه لم يذهب إلى البوليس ويسجل ذلك و يأتي بعدد من شهود الإثبات على كل ما حدث !


وأكثر البيوت التي ذكرها الكونت هامون في كتبه المنشورة قد أكلتها " الحرب الخاطفة" على مدينة لندن في سنة 1940 ومابعدها . ولكن بقيت بعض القصص المؤكدة .

وهذا الكونت مشهور في التاريخ بأنه من علماء الأرواح ومن علماء الكف أيضاً , ولذلك قد أشتهر بين الناس بأسم "كايرو" .. كلمة يونانية معناها : الكف ..

ورغم متابعة الكونت للبيوت المسكونة فأنه نفسه كان يخاف ويرتجف وأحياناً يكاد يفقد القدرة على التنفس .


ولكنه مصر على أن يعرف بأي ثمن , ولم يكن يتردد في دفع الثمن من صحته وأرقه الدائم .
آخر تجارب الكونت أنه ذهب إلى بيت سمع عنه كل شئ , ولكنه يريد بنفسه , وكانت في البيت سيدة ثقيلة السمع , قال لها : أريد أن أسكن في هذا البيت .
ولم تعارض السيدة , وإنما قالت له :
لكي أريح ضميري يجب أن أقول لك أن هناك أصواتاً عنيفة تحطم الأبواب في الساعة العاشرة من مساء كل ليلة .. أنا شخصياً لم أسمعها , ولكن الخدم لا يبقون أكثر من يوم واحد , ولا بد أن أصدقهم .

قال الكونت : أعرف ذلك ..
وأستأجر البيت .. وقام بتنظيفه وطلائه .. وأخذ معه سكرتيره الخاص , وأقام كل واحد منهما في غرفة ..
وجلس كل منهما ينتظر ما سوف يحدث , ولم يطل الإنتظار , ففي الساعة العاشرة مساءً سمع الكونت وقع أقدام على السلم .. خطوات هادئة .. متتابعة .. ثم مسرعة  .. ثم إقتراباً من الباب .. ودقاً عنيفاً على الباب .. كأن إنساناً يدق عليه لا بيده ولكن بعظام يده ..

وأضاء الكونت غرفته .. ثم أقترب من الباب وفي يده سيخ من الحديد .. وبسرعة فتح الباب .. ولم يجد غير الظلام البارد والصمت الرهيب .. لا أحد .. لا شئ ..
ألتقينا من جديد ..🙋
وظن أول الأمر أن هذه حيلة من حيل السيدة العجوز ثقيلة السمع .. ولكن هذه العجوز لا تستطيع أن تدق الباب بهذه القوة .. ومن الغريب أن وقع الأقدام على السلم كان على خشب السلم .. مع أن السلم مغطى بالسجاجيد .
وعاد الكونت إلى سريره ولكن وحده فقد ذهب النوم بعيداً عن عينيه .. وعندما جلس الكونت وسكرتيره إلى مائدة الأفطار كان واضحاً على وجهه الأرهاق .. وعلى وجه سكرتيره , ونظرت إليهما العجوز وقالت :
ماذا حدث ؟ يبدو أن شيئاً قد حدث !
وقال الكونت : نعم حدث شئ !
وروى لها ما حدث .. وفوجئ بأن سكرتيره قد حدث له نفس الشئ

وقرر الإثنان المبيت في غرفة واحدة , وأمام المدفأة جلس الإثنان يحتسيان القهوة .. ويأكلان السندوتشات .. وعند العاشرة تماماً توالت الأقدام على خشب السلم .. ثم أسرعت الخطوات , وجاءت الطرقات على الباب أعنف وأشد من اليوم السابق .. وقفز الإثنان وفي يد كل منهما سيخ من الحديد .. وفتحا الباب 

وفتحا الباب .. لا شئ .. لقد أضيئت كل مصابيح البيت .. السلالم والصالة وقاعة الطعام .. بل إنهما كانا يسمعان مفاتيح النور تتحرك واحداً واحداً .. وفي حالة من الخوف الشديد راحا يتحركان بين الغرف ..
وينظران إلى ترابيس الأبواب والنوافذ , كل شئ محكم تماماً , ويستحيل أن تكون هذه الدقات قد صدرت من أي إنسان !
ولنا لقاء ..🙋
ها نحن إلتقينا 👪
وقرر الكونت أن يشتري كلباً ضخماً , فهذا الكلب إذا شم رائحة إنسان فسوف ينبح , فالكلب هو المقياس الصحيح على أن هذه الأصوات قد صدرت من إنسان أو من شبح .
وقرر الكونت وسكرتيره أن يناما في غرفة واحدة ومعهما الكلب , وليس من المعقول - طبعاً - أن يؤدي وجود الكلب في البيت إلى أن تخاف هذه القوى الهائلة التي لا تهاب إنساناً ولا يخيفها نارً ولا شراراً ..

وفي الساعة العاشرة حدث كل شئ بنفس الترتيب والعنف .. ونهض الإثنان يفتحان الباب .. وأنفتح الباب , وخرج الكلب .. لا يتبع أحداً , ووجدوا أن المصابيح قد أضيئت كلها , وراح الرجلان يفتشان كل الغرف .. غرف الطابق العلوي والطابق السفلي ..
وكانت هناك غرفة صغيرة لم يشأ الكونت أن يأمر بتظيفها أو تجميلها , وإنما تركها كما هي .. وفتح الغرفة .. مظلمة رطبة .. ثقيلة .. ولم يكد يدخلها حتى أحس بضيق وقشعريرة عند دخولها .. ففيها شئ غريب كريه ومخيف أيضاً .

ولنا لقاء آخر ..🙋
هاقد إلتقينا .. 👭
وكان 
ذلك نفس شعور السكرتير .. وحاول الكونت وسكرتيره أن يدخلا الكلب إلى الغرفة .
ولكن الكلب كان يرتجف من الخوف وكان يلوذ ويحتمي بهما ويعوي .. وينظر إلى أشياء غريبة لا يراها أحد ..

وحاول الكونت أن يدفع الكلب بالقوة إلى داخل الغرفة ولكنه لم يستطع , فالكلب يكاد يموت من الخوف .. ثم أقفل الكونت باب هذه الغرفة .
جلس هو والسكرتير يفكران في الأمر .. قال الكونت :
هل شعرت بالخوف والقرف معاً ؟
- تماماً !
- حتى الكلب خاف ..
- إنه مثلنا تماماً , ثم أن الكلب لم ينبح , أن شيئاً جعله عاجزاً عن الوقوف أو النباح ..

وفي هذه اللحظة سمعا الإثنان ضحكة مجلجلة , جافة لا أحد يعرف مصدرها .
لم يعد لدى الكونت الآن أدنى شك في أن الذي يفزعه هي روح شريرة .. أو روح معذبة ..
ولنا لقاءً ..🙋
ها قد إلتقينا .. 👪
وكانت الخطوة : هى كيف يتصل بهذه الروح ؟
هو يعرف الطريقة طبعاً , وقد جربها مئات المرات , وكأن هذه الروح تعرف ما يدور في رأسه .
فلم تعد هذه الروح تظهر أسبوعاً .. ومضى أسبوعاً آخر .. وفي بداية الأسبوع الثالث أتى الكونت بالوسيط الذي يستعين به عادة في مثل هذه الظروف المخيقة وجاء الوسيط وكان أعمى ..
وجلس الكونت وسكرتيره وعشرة رجال آخرون على شكل دائرة , وفي منتصف الدائرة جلس الوسيط إلى منضدة , وعلى المنضدة مصباح أحمر .

وفجأة تعالت الطرقات على الباب وبنفس الحدة , وكان الكونت قد أدرك ما تريده هذه الروح .
فطلب من الحاضرين الإنصراف والعودة في اليوم التالي .
ولنا لقاء ..🙋
ها نحن قد عدنا ..👬
وعندما تركوا الحاضرون البيت جلس الكونت إلى المنضدة وحده وكتب الحروف الأبجدية أمامه على ورقة كبيرة , وراح يمر بأصابعه على الحروف , وعند بعض الحروف كان يسمع طرقاً على الزجاج ..
أو يسمع صوتاً كأنه طرق على زجاج كريستال .. ثم جمع هذه الحروف معاً فإذا هى هذه العبارة الطويلة :
أنا أسمي كارل كلنت , ولدت ومت هنا منذ 120 عاماً , ولا أعرف لماذا لا تتركوني وحدي في هدوء .
وقال الكونت : إننا نريد مساعدتك
فكان رد كارل بالحروف أيضاً :
لا أحد يستطيع مساعدتي , فأنا سوف أعيش هنا إلى الأبد .
فقال الكونت : 
لابد أنك معذب وإلا ما أضطررت إلى إزعاج الناس ..
فقالت الحروف ( الروح ) :
هذا شأني !
وفي اليوم التالي أنعقدت جلسة دائرية , وجلس الوسيط في مركز الدائرة ..
ولنا لقاء آخر ..🙋
ها نحن إلتقينا .. 👪
وفجأة رأى الجالسون سحابة سوداء كثيفة تدخل من الباب .. ثم تتحول إلى دخان أبيض .. ثم شئ أبيض .. ثم ملامح واضحة تماماً .. إنه النصف العلوي لرجل ألماني في الخمسين من عمره يقول :
أنا كارل كلنت , عشت هنا منذ 120 عاماً , وقتلت صديقي لأنه عاكس زوجتي , وتعاونت أنا وزوجتي على دفنه في الحديقة ..
صببنا على جسده الجير الحي .. ثم غطيناه بالتراب .. أما زوجتي فقد دفنت وراء التل القريب .. وأنا في هذا البيت منذ وجدت نفسي ميتاً .
وقال الوسيط :
وهل
نستطيع مساعدتك ؟
قال كارل :
لا أريد مساعدة أحد , أريد أن تتركوني وشأني , لا أريد من أحد المجئ إلى هنا .. أن وجودكم يضايقني ..
وسأله الكونت :
صحيح أنني لا أحب أن أساعد قاتلاً مثلك .. ولكن أريد أن أنهي هذا الوضع المخيف بالنسبة لأي أحد يسكن هذا البيت .. فما الذي نفعله لك ؟
قال كارل :
إذا ذهبت إلى الغرفة الصغيرة وحدك فسوف أقول لك كل شئ .. وسوف يكون صوتي أوضح , أريد أن نكون وحدنا .. أنت وأنا ..
ولنا لقاء آخر .. 🙋
ها نحن قد إلتقينا .. 👪
ورفعت الجلسة .. وتلاشى الشبح .
وذهب الكونت إلى الغرفة الصغيرة وجلس وأمسك ورقة عليها الحروف , وراح يحرك إصبعه ومع الصوت الزجاجي كان يسجل الحروف . 
وكانت رغبة كارل أن يترك الكونت له هذه الغرفة , وألا يدخلها أحد , ثم رجاه أن يترك بها منضدة ومقعدين , فهوسوف يلتقي بروح زوجته , وإنه لن يترك المكان الذي عاش فيه سعيداً منذ وقت طويل .
وفي اليوم التالي نقل الكونت إلى الغرفة الصغيرة منضدة ومقعدين , وأقفلها تماماً .
وأقام الكونت في هذا البيت بعد ذلك عشر سنوات لم يسمع فيها صوتاً على السلالم أو على الباب ..
ثم قرر الكونت أن يترك هذا البيت نهائياً , ورأى من المناسب أن يستدعي روح كارل كلينت قبل رحيله .
وذهب إلى الغرفة الصغيرة . 
جلس ومعه ورقة عليها الحروف الأبجدية وهو يقول :
سوف أترك هذا البيت هل تريد مني أية خدمة ..

 ولنا لقاء آخر .. 🙋
عدنا لنلتقي .. 👪
فقالت الحروف ( كارل ) :
خذني معك .
فقال الكونت : ولكن لماذا ؟
- لأنك الوحيد الذي كنت رقيقاً معي .
- ولكن كيف آخذك معي ؟
- في الدولاب الذي إلى جوارك صورة لزوجتي .. خذها معك .. وسوف أكون حيث توجد هذه الصورة .

- ولكن أين أضعك ؟
- في أية غرفة صغيرة مهجورة ..
- ولن نزعج أحداً ..
- طبعاًً .
- ولكن هل زوجتك تريد نفس الشئ ؟
- طبعاً .
- ولماذا لا تكلمني هى أيضاً ؟
- في أستطاعتها أن تكلمك ..
- أتمنى ذلك .
- أنا اسمي شارلوت .. زوجي يحبني وأنا أيضاً أحبه .
وكان هذا الرجل يعاكسني كثيراً , وأحتملته أول الأمر , ولكن وجدت أن صبري قد نفد , فقلت لزوجي على كل شئ .. فقتله ودفناه معاً .. وكان زوجي يبكي وهو يدفنه .
يبكي صديقه العزيز وخيانة الصديق شئ فوق الأحتمال . 

قال الكونت :
وهل حزنت أنت أيضاً ؟ 
قالت شارلوت :
وأنا حزنت على عذاب زوجي .. فقد كانت صدمته لا قرار لها .
ولنا لقاء .. 🙋
ها نحن إلتقينا من جديد..👬
قال الكونت :
وهل يسعدك أن ترافقيه إلى بيتي ؟
- أتمنى ذلك .. إذا لم يكن هذا يضايقك ..
- ولكن أخشى أن يضايقكما أحد ..
- لن يحدث ذلك ..
- وكيف تقطعين بذلك ؟
- أنا كارل الذي يتكلم .. أننا هنا نعرف أشياء كثيرة , وليس من الضروري أن تعرفها أنت .. لن يضايقنا أحد بعد اليوم لقد أنتظرنا قدومك بفارغ الصبر ..

فقال له الكونت :
وهل كنت تعرف إنني سوف أجئ ؟
- أعرف تماماً .
- كيف ؟ 
- هذه قصة طويلة ..
- لا أستطيع أن أعرفها ؟
- لا أستطيع أن أقولها ؟
- أهذا سر ؟
- ربما كان سراً .. ولكني لا أستطيع .
- هل لديكم أية أقوال أخرى ؟
- هذا يكفي .
ونهض الكونت فقد تصبب وجهه بالعرق البارد .. ثم فتح الدولاب , فوجد صورة لفتاة جميلة ألمانية الملامح أيضاً إنها إذن زوجة كارل ..

وعندما أنتقل الكونت لوي هامون إلى بيت آخر , أخذ معه هذه الصورة .. ثم وضعها في غرفة صغيرة .. وأغلق الباب .. ولم يعد يفكر في كل ما حدث ..

ولنا لقاء آخر .. 🙋
ها نحن عدنا .. 👥
بعد وفاة الكونت شبت النار في هذا البيت .. ولم يبقى منه شيئاً .. أما الآن فهو جزء من حديقة كبيرة في أحدى ضواحي لندن .
ومن الصدف العجيبة - أو هكذا يقال - أن البيت الذي يبعد عن هذه الحديقة عشرين متراً مكتوب عليه :
بيت شارلوت
وشارلوت هذه سيدة ألمانية عمرها الآن ستون عاماً , و أغرب من ذلك أن زوجها أسمه كارل كلنت وهو صاحب محل بقالة وله ولد وأبنة , الولد أسمه كارل ..والبنت أسمها شارلوت أيضاً !
 
ولنا لقاء في قصة جديدة .. 🙋

ليست هناك تعليقات: