الفصل الرابع
بيير يلاحق إزميرالدا
توقفت مظاهر النشاط في باريس بحلول الليل , فأغلقت المتاجر أبوابها , وتوجه أصحابها إلى منازلهم .
خيم الظلام على الطرقات التي خلت من الناس , ولحق بيير بالغجرية عبر الممرات والأزقة .
فكر بيير :
"علي الأق هى تعلم الطريق , أما أنا ضللته بالتأكيد ."
بعد فترة من الوقت أكتشفت الفتاة أنه يتبعها , فتوقفت لحظة لتستدير وتنظر إليه .
شعر بيير بسوءً , فأبطأ من سيره وأخذ يحصي حصى الرصف تحت قدميه .
وفجأة سمع صوت صراخ !
وعند إنعطافه حول الزاوية وجد رجلين يحاولان أختطاف الفتاة الغجرية .
"توقفا عن ذلك في الحال !"
فإستدار أحد الرجلين , وكان كوازيمودو!
فتقدم خطوة سريعة نحو بيير , ودفعه بكل ما أوتي من قوة , سقط الشاعر الأرض فاقداً الوعي .
حمل كوازيمودو الفتاة الغجرية , وهم بأخذها بعيداً عن المكان , كما كانت لا تزن شيئاً على الإطلاق .
لكن قبل أن يبتعد جاء حرس الملك يعتلون خيولهم .
صاح القائد وهو ينتزع إزميرالدا من بين ذراعي الأحدب :
"أنزل تلك الفتاة"
وحملها على حصانه , ترجل الجنود عن خيولهم , وحاولوا حمل كوازيمودو الذي قاوم الجنود قدر إمكانه .
أما الرجل الثاني الذي كان مع كوازيمودو , فقد إختفى قبل أن يتمكن رجال القائد من الإمساك به . قال قائد الحرس :
" هل أنت بخير , يا أنسة ؟ " لحسن الحظ أن الحرس الملكي كان هنا , أنا القائد فيبس .
قالت وهي تترجل من فوق ظهر الحصان :
" أنا بخير, شكراً لك سيدي الكريم ."
قبل أن يقول القائد فيبس أي شئ آخر كانت الفتاة قد أسرعت في ظلام الليل .
تابعونا..
قال القائد فيبس :
" لنأخذه إلى السجن , حيث يتم عقابه غداً."
وإنطلق الحراس بخيولهم وهم يجرون كوازيمودو المسكين .
في تلك الأثناء كان بيير مستلقياً على حصى الرصف , وفي النهاية أيقظته برودة الأرض القارسة , وعندما فتح عينيه وجد نفسه في قناة تصريف المياه .
فكر بييرلحظة بشأن ما حدث , كان هناك رجل آخر مع الأحدب , لكن من تراه يكون ؟
لهث بييرعندما أدرك إجابة هذا السؤال , لقد كان كلود فرولو , رئيس الشمامسة !لماذا أرادا أخذ الفتاة الغجرية ؟
صاح بيير:
" يا إلهي ! الجو بارد حقاً !"
كان الوحل في قناة تصريف المياه يسحب الحرارة من جسمه بسرعة هائلة .
وما إن صارت لدى بيير قناعة بأنه سيظل عالقاً في الوحل لأيام حتى وصلت مجموعة من المراهقين إليه .
تابعونا ..
كان معهم مرتبة من القش قديمة أشعلوا بها النارلتدفئة أنفسهم , قذفوا بها في قناة تصريف المياه لتسقط فوق بيير بالضبط . وعندما تمكن من أستجماع ما يكفي من قوته ليقف , كانت ألسنة اللهب على بعد سنتيمترات من وجهه .
"إنه شبح قناة تصريف المياه ." صرخ بيير وركض في أحد الإتجاهات , وركض الصبية في الإتجاه الآخر .
سأل بيير نفسه عندما هدأ :
" ما الذي تهرب منه , أيها الأبله؟ كان هؤلاء الصبية خائفين منك علي قدر خوفك منهم "
نظراً للألم الذي أصاب ساقيه من جراء الجري حاول بيير العودة إلي المرتبة , معتقداً إنها ستكون دافئة على الأقل.
كان لا يعلم في أي الإتجاهات يجب أن يسير , فأخذ يدور حتى رأى أخيراً ضوءً في نهاية الضوء.
وعندما نظر حوله تمكن من رؤية ما بدا له أناساً من كل الأشكال والأحجام يسيرون نحو الضوء . وما أن إعتادت عينيه علي الضوء حتى رأى رجلاً ساقاه مبتورتان ويسير على يديه .
قال الرجل وهو يسير بجانب الشاعر :
" هل لي في حسنة يا سيدي؟ طابت ليلتك ! "
مر شخص آخر بجانب بيير , كان هذه المرة رجلاً بذراع واحدة يسير على عكاز .
جاول بيير التنحي جانباً حتى يتمكن الرجلان من السير بسهولة , لكن إعترض آخر سبيله , وكان رجلاً ضريراً بلحية بيضاء طويلة.
مد كلُ من هؤلاء المتسولين يده لبيير طالباً عملة معدنية , لكن الشاعر لم يكن لديه أي نقود ليعطيهم إياها .
نكس بيير رأسه وبدأ يسير مبتعداً .
لكن الرجال الثلاثة المشوهين بدوءا يسيرون خلفه , إذا أسرع أسرعوا , وإذا أبطأ أبطئوا . وسرعان ما صارت هناك مسيرة كاملة من العاجزين والمجذومين وغيرهم من المتسولين الآخرين يسيرون معه .
وأخيراً , بعد أن حاول الرجوع وشق طريقه بين الجموع , وصل إلى ميدان .
سأل بيير :
" أين أنا ؟ "
أجابه أحد المتسولين :
"إنها زاوية المعجزات ."
كانت زاوية العجزات المكان الذي يقضي فيه اللصوص والغجر وغيرهم من الفئات المعدمة في باريس لياليهم . توهجت النيران في أرجاء الميدان المتسع , أحاطت المنازل القديمة المتهالكة المنطقة .
وأحاط به الكثير من الأشخاص الغرباء وهم يصيحون :
"لنأخذه إلى الملك ! إلى الملك !"
تلعثم بيير وهو يقول :
" الم..لل..ملك ..؟ لكن أليس الملك يعيش في قصر؟!"
صاح رجل كبير:
"ليس ذلك الملك يا بني , ليس ذلك الملك !"
دفعه الحشد نحو حانة قديمة متهدمة أحاطت الموائد المتسوسة داخلها بالمدفأة التى توهجت بالنيران وداخلها قدر يغلي ما به ,
أحاط الرجال والنساء الذين كانوا يجنون أموالهم من الشوارع ببيير المسكين .
كان الملك المزعوم يجلس على برميل بجانب النار.
قال الرجل المبتورة ساقاه , وهو نائبه :
" أنزع قبعتك"
وعندما لم يتحرك بيير تحرك نحوه أحد الأشخاص , وجذبها من فوق رأسه .
قال الملك :
" حسناً , من لدينا هنا ؟"
لم يكن الملك سوى ذلك المتسول الذي دمر مسرحيته ذلك الصباح , إنه كلوبان ! سأله كلوبان :
" ما أسمك ؟ ومامهنتك ؟ إذا لم تكن واحداً منا , فأنت في مشكلة كبيرة .
هذا مخبؤنا السري , ولا يسمح هنا بوجود أحد سوى المتشردين واللصوص والمتسولين .
قال بيير :
" أدعى بيير جرينجوار , ومهنتي شاعر "
رد كلوبان :
" شاعر؟ حسناً , هذا يحسم الأمر ."
لقد أخبرتك أنه لا يسمح هنا إلا بالمتشردين واللصوص والمتسولين.
أما الشعراء فغير مرحب بهم على الإطلاق هنا .
" أيها الأباطرة والملوك العظماء , أنتم بالتأكيد لا تنوون إيذائي , أنا شاعر , وقد كتبت المسرحية التي شاهدها الكثيرون هذا الصباح."
وأنظروا , ليس هناك أي شيءً في جيوبي . الكثير من الشعراء متشردين ولصوص مثلكم تماماً ."
تحدث كلوبان بهدوء مع الرجل الذي يقف بجانبه , وسأل بيير:
" هل تقسم على الإنضمام إلينا كمتشرد؟ "
أومأ بيير برأسه , وقال : "أقبل"
قال كلوبان :
" حسناً , لكن أولاً يجب أن تجتاز الإختبار."
أخرج المتشردون فزاعة ووضعوها في منتصف الغرفة .
وأضاف كلوبان :
" يجب أن تقف بتوازن على ساق واحدة , وتسحب الوشاح من جيب الفزاعة , إذا تمكنت من إنتزاعه فسوف تثبت أنك بالتأكيد متشرد وواحد منا ."
قال بيير :
"حسناً , وإن كان من المحتمل أن تنكسر ساقاي أثناء المحاولة ."
وقف بيير على مائدة ليتمكن من الوصول إلى جيب الفزاعة , ورفع قدمه اليمني , وتأرجح .
كانت الفزاعة طويلة للغاية , أطول من بيير المسكين بستين سنتيمتر على الأقل , حتى مع وقوفه على المائدة .
" أحذر الأجراس الموجودة على جيبه , فسوف ترن إذا أخطأت ."
حاول بيير جاهداً الوقوف ثابتاً على ساق واحدة , تمايلت المائدة عندما وضع ذراعه فوق رأسه .
وما أن أمسك بالوشاح في يديه حتى وقع على الأرض , فتعلق الوشاح بجيب الفزاعة , ودوي صوت الأجراس عالياً .
قال بيير :
" آه , لا ! "
قال كلوبان ضاحكاً :
" حسناً , إنتهى الأمر . أيها الصيبية, أمسكوا به وألقوا به بالخارج"
قال بيير: "إنتظروا !"
تفرق الجمع ,
وكانت الفتاة الغجرية تقف هناك , دوت الصيحات من حول بيير :
"إزميرالدا !"
سألت الفتاة كلوبان بجرأة :
"هل ستلحق الأذي بهذا الرجل؟"
أجابها :
"نعم , إلا إذا طلبتي منا ألا نفعل . أنت تعلمين أنني أعتبرك ملكتنا يا أزميرالدا !
إذا رأيت أنه يجب إطلاق سراح هذا الرجل فسوف نفعل ذلك .
لكنني لا أعرف لماذا تريدينه أن يعيش؟!"
قالت :
" لقد حاول إنقاذي عندما حاول أولئك الرجال البشعون أختطافي .
لذا , نعم فأنا أسألكم إطلاق سراحه ."
إعتقد بيير أنه يحلم بالتأكيد,لكن عندئذً تركه الرجال الذين كانوا يمسكون به .
" أنت تعلمين أنه في حال إنقاذك له فستكونين مسئولة عنه . علينا أن نسوي الأمر برمته بإستخدام الإبريق ."
قالت إزميرالدا :
"حسناً , أين هو ؟"
أعطاها أحد المتشردين الإبريق .
أعطته لبيير,وقالت له : "ألقه على الأرض"
فعل كما طلبت منه بالضبط,فانكسر الإبريق إلى أربع قطع.
قال كلوبان :
"حسناً, بحكم السلطة المخولة لي أعلن زواجكما مدة أربع سنوات."
أشار إلى بيير وقال :
" يمكنك المغادرة , لكن قوانينا تنص على أنك يجب أن تثبت أنك واحد منا بإنتهاء تلك السنوات الأربع .
والآن , لتغرب عن وجي."
أنتهى الفصل الرابع فإلى الفصل الخامس تابعونا ..