الفصل الثالث
الشاعر والفتاة العجرية
سعد بيير بحلول الغسق عند مغادرته القاعة الكبرى , ستخفي الشوارع المظلمة أي أثر له , فكان يحاول العثور على مكان يمكنه التفكير فيه بهدوء .
كان مستاءً لدرجة جعلته لا يستطيع العودة إلى غرفته , فجاب طرقات المدينة , وعندما توجه إستعراض ملك المهرجين نحو بيير , إستدار وركض في الإتجاه الآخر.
كانت الشوارع مكتظة بأناس يشعلون الشرر والمفرقعات النارية .
لكن كلما إبتعد صارت الشوارع أكثر فراغاً , كانت ضفة النهر غير ممهدة , وسرعان ما وصل الوحل إلي كاحليه .
سار بيير حتى وصل إلي أطراف المدينة تقريباً . نظر إلى الضفة الأخرى من النهر , ورأى بريق من الضوء على الجزيرة الصغيرة الموجودة بالجانب الآخر. أنفجرت إحدي المفرقعات النارية , فتنهد بيير وحدث نفسه :
"حتى قائدو المعديات يحتفلون , ربما يتوجب علي الإنضمام إليهم."
كان كل ما يمكن رؤيته في الليل من النهر هو الشكل غير المنتظم للمباني التي تشكل ميدان المدينة الرئيسي . أنتشرت صفوف من المنازل الضيقة الكئيبة في الإتجاهات الثلاثة الأخرى , وفي منتصف الميدان عمود التشهير .
عندما وصل بيير إلى الميدان , كان جسمه خدراً من البرد . حاول أن يسلك طريقاً مختصراً , لكنه علق بطواحين الهواء التى رشته بالم وبللت معطفه تماماً .
كونت مجموعة من الناس دائرة حول نار مشتعلة , فسار بيير سريعاً نحوهم , لكنه لم يستطيع العبور وسطهم .
قال لنفسه : يا لهؤلاء الناس ! ألا يرون حذائي الذي يتسرب منه الماء ومعطفي المبلل تماماً ؟
وفي الحقيقة , عندما نظر حوله , بدا له أن الكثير من الناس لم يكونوا بحاجة لتدفئة أنفسهم على الإطلاق , إنما كل ما كانوا يفعلونه هو مشاهدة فتاة ترقص بجوار النار .
لم يتمكن بيير من أن يحدد على وجه الدقة هل هذه الفتاة جنية أم ملاك أم بشر.
لم تكن طويلة , لكنها بدت كذلك نظراً لقوامها النحيل , كان شعرها أسود , وعيناها سوداوان براقتان , وبشرتها شاحبة .
أخذت ترقص , وبسطت سجادة قديمة كانت ملقاة تحت قدميها . لم يستطع أحد إنزال عينيه عنها , كانت ذراعاها مرفوعتين فوق
رأسها إثناء تحركها على نغمات الرق , وأخذت تدور وتدور وتنورتها تدور أيضاً معها .
عندما نظر بيير حوله رأى آلاف الوجوه , كان هناك رجل يشاهد الفتاة عن كثب كان يكبرها سناً , ولديه بعض خصل الشعر الرمادى على رأسه الأصلع . كان يرتدي عباءة طويلة سوداء كالقساوسة .
شاهد بيير ذلك الرجل إثناء رقص الفتاة . ولسبب ما بدا مألوفاً .
قالت الفتاة :
" دجالي ! إنه دورك ." فوقفت نعجة بيضاء صغيرة .
قامت الفتاة والنعجة ببعض الحيل . عرضت النعجة دجالي للجمهور التاريخ بضرب حوافرها بعنف على الرق.
سألت الفتاة بعد ذلك دجالي عن الساعة , فأجابت النعجة بركلات سبع قوية في اللحظة ذاتها التي دقت فيها الساعة الموجودة في الميدان معلنة الوقت ذاته !.
"إن هذا لسحر!" فأدارت الفتاة ظهرها له , وإنحنت مع تصفيق الجمهور لها .
ثم واصلت بعد ذلك العرض مع نعجتها
" ستستاء الكنيسة من هذا !"
أبتسمت الفتاة , وجمعت العملات المعدنية التي قدمت لها , وقفت أمام بيير وأنتظرت .
تقاطر العرق على جبينه , وأخذ يبحث بأصابعه في جيوبه الفارغه .
جاء صوت عجوز بالجوار :
" أبتعدي عن هنا , أيتها الغجرية الحقيرة !" فإبتعدت الفتاة خائفة عن المرأة البغيضة .
لم يتمكن بيير من التوقف عن التحديق بها , بدأت تغني , وملأت
الأغنية الجميلة الغريبة أذنيه .
وجعلت الموسيقى عينيه تغرورقان بالدموع أثناء أستماعه لصوتها العذب .
صاحت المرأة ذاتها ثانية :
"أمرتك أن تصمتي أيتها الغجرية !"
تابعونا..
أستفاق بيير من إفتنانه , وأضطربت معدته . وفي تلك اللحظة وصلت مسيرة أستعراض ملك المهرجين إلى داخل الميدان ,كان الصف الطويل المتعرج من الناس قد إزداد عدداً منذ تركهم للقاعة الكبرى .
جلس كوازيمودو على عرش يحمله الطلاب الذين كان من بينهم جوان وجيون .
صدرت جميع أنواع الموسيقى من الإستعراض : الأبواق , والرقوق والمزامير , إلى جانب أصوات الناس .
أبتسم الأحدب في وجوه الناس الذين أصطفوا على جوانب الطرقات , مبتهجاً للمرة الأولى في حياته . لم يدرك أن الأمر برمته لا يتعدى كونه مزحة .
شق القس طريقه فجأة بين الحشد , ونزع التاج من فوق رأس كوازيمودو .
قال بيير :
" إنتظروا ! أنا أعرف ذلك الرجل . إنه كلود فرولو, رئيس شمامسة كاتدرائية نوتردام , ما الذي يفعله ؟ "
أنتفض كوازيمودو من الكرسي الذي سقط على الأرض , ودوت صرخات ذعر من الحشد .
وبخطوة واحدة كبيرة كان الأحدب أمام القس , نظر له بعينه الوحيدة , وخر على ركبتيه , خلع فرولو عن كوازيمودو عباءته الفضية اللون , وألقى بصولجانه الكرتوني على الأرض .
تحدث الإثنان معاً وهما يحركان أيديهما , وعندما فرغا من ذلك , رتب فرولو على كتف كوازيمودو الذي وقف منتصباً قدر الإمكان على ساقيه المتقوستين وتبع القس .
حدق الطلاب فيه , وهمس جيون لجوان :
"هذا أخي , يفسد دائما متعتنا ."
أختفوا من نصبوه ملكاً , وهام الطلاب على وجوههم بحثاً عن مزيد من الترفيه .
قال بيير :
" كان ذلك رائعاً ! لم أر من قبل رجلاً يقفز هكذا. لقد نزل قريباً للغاية من كلود فرولو , هذا الكوازيمودو!"
ثم هز الشاعر رأسه وأردف :
" والآن أين يمكنني العثور على طعام العشاء ؟ "
قرر بيير ملاحقة الفتاة الغجرية . حدث نفسه قائلاً :
" ربما تشاركني عشاءها , هذا إن واتتني الجرأة للتحدث معها ."
لنلتقي في الفصل الرابع ..