الجمعة، 22 مارس 2024

قصة جديدة من قرأت لكم من كتاب " أرواح وأشباح " لكاتبنا الكبير ( أنيس منصور )

 القصة الجديدة بعنوان : 

حكمة الثعبان وحيوانات أخرى !

يقول الأستاذ أنيس منصور في كتابه ( أرواح وأشباح ) :

من يعرف الحيوان يعرف الإنسان , ومن يفهم الإنسان يفهم الله .. ومن السهل أن نعرف الحيوان ولكن من الصعب أن نفهم الإنسان , ومن الأصعب أن ندرك الله .. أليست كل العلوم إلا محاولات من أجل أن نعرف شيئاً عن أشياء كثيرة في الأرض أو تحت الأرض أو في نفوسنا أو خارج نفوسنا ..

والحيوان هو "الطبيعة الصادقة" .. أو هو " الفطرة" ..

دون أن يتدخل فيها الإنسان ليغيرها أو يجعلها شيئاً آخر.. وهذا هو الفارق بين حيوان الغابة أو حيوان السيرك .. أو حيوان الأقفاص في الحديقة ..فالحيوان في الغابة يعيش على قدراته .. وعلى غرائزه ..

ويستخدم تلك القدرات والغرائز في الدفاع عن نفسه وفي الحصول على الطعام .

أما حيوان الحديقة أو السيرك فهو الحيوان الذي "أذله" الإنسان بلقمة العيش .. إنه حيوان موظف أو مستخدم أو سجين .. ونحن نعطيه الطعام بشرط أن يبقى في مكانه ..

وبشرط أن يهدأ .. أو بشرط أن يقوم ببعض الحركات ليتفرج الناس عليه .. فهو حيوان قد دربناه على ألا يكون حيواناً .. 

بعد الأفطار توجهت لزيارة مكتبة المؤلف لتكملة قصتنا فوجدت المؤلف يقول :
وإنما على أن يكون خادماً للإنسان .. هذا الحيوان قد ضاعت منه فطرته .. وإبتعدت عنه غريزته .. وإنما أصبح غريباً في عالم الإنسان الغريب ..فلا هو في حاجة إلى أنفه لكي يشم المخاطر القادمة ولا في حاجة إلى عينيه ليرى الفريسة ..
ولكننا أعطينا لغرائزه أجازة .. أو عطلناها .. وقمنا بتشغيل عدد من الموظفين والحراس يقدمون الطعام والشراب والعلاج ويتولون هم الحراسة والدفاع عنا ..
ولذلك فحيوان الغابة هو الحيوان الذي يتصرف "بوحي" أو"بدافع" أو بتوجيه من غرائزه .. وهذا الحيوان لا يعرف من أين جاءت هذه الغرائز ولا كيف إكتسبها .. ولا كيف قام بتوريثها لصغاره مليون سنة بعد مليون سنة ..
ثم إن الحيوان لا يستطيع أن ينمي هذه الغرائز ولا أن يطورها .
ونلتقي غداً ..
عدنا إلى حيث ما أنتهينا عنده .. فيكمل المؤلف حديثه قائلاً :
مثلاً : ثعابين البحر .. هذا الحيوان الصغير جداً الذي ينتقل من أوروبا وأمريكا إلى جزر في منتصف المحيط , يهاجر إليها .. ليتوالد .. وبعد أن يتوالد يظل الصغار في هذه الجزيرة وبعد سنتين تهاجر الصغار إلى أماكن مختلفة من أوروبا وأمريكا .. ولكن هذه الهجرة لها قواعدها ..
فالثعبان الذي له 115 فقرة في ظهره يهاجر إلى أوروبا .. والذى في ظهره 107 فقرة يهاجر إلى أمريكا .. أما الثعابين الكبار من الأمهات والأباء , فتبقي في جزر الأزوريسحتى تموت !
فالحكمة كلها في هذا الثعبان ..
والسلحفاء الخضراء ..

إنها تهاجر من البرازيل إلى جزر " المعراج " على مدى 1400 ميل في قلب المحيط الأطلنطي .. رحلة منتظمة لا تخطئ دقيقة واحدة ذهاباً وإياباً ..

فأر ديموج ..
الذى لا يزيد على عقلة الأصبع .. إذا أمسكته بعيداً عن وكره بميل واحد , فإنه يظل يتدحرج ويجري ويتوارى حتى يصل إلى هذا الوكر.
والطيور تهاجر معتمدة على نجوم السماء ..
وأسماك السلمون تعتمد في هجرتها مئات الأميال على طريق الرائحة


وإلى اللقاء غداً لنكمل ..
ذهبنا إلى مكتبة المؤلف لكتاب أرواح وأشباح الكاتب الكبيرالأستاذ / أنيس منصور لنكمل قراءة قصتنا من حيث توقفنا فيقول المؤلف:

وقد أجرى العلماء  تجربة في المعمل على أحد القطط , وضعوه في غرفة خشبية لها 24 فتحة , وخرج القط من الفتحة التى هي في إتجاه البيت الذي جاء منه .

ما معنى هذا كله ؟
معناه : أن هذه القدرات التي ترأها خارقة كانت من أهم خصائص الإنسان يوماً ما .. كان يعتمد على عينيه في الرؤية .. ويعتمد على أنفه في الشم , وأذنيه في السمع .. فقد كان الإنسان محاطاً بحيوانات شرسة ومفترسة , فإذا لم ينتبه لها تلاشى . وإنقرض ولكن بقاء الإنسان معناه إنه أستطاع أن يواجه البيئة المعادية والحيوانات المتربصة .
إن الفيلسوف الألماني "كنت" يقول :
( إنه قد إتى على الإنسان حيناً من الزمن لم يكن يبكي فيه وهو طفل .. حتى لا تتعقب صوته الحيوانات المفترسة وتأتي إليه وتفترسه ..
ولكن بعد أن أصبح للإنسان بيت وباب ومفتاح لم يعد يخاف الطفل ولا أبوه ولا أمه أن يبكي .. فلا وحوش تنتظرهذا الصوت لتأكل صاحبه !
نفترق حتى نلتقي غداً..
هيا بنا لنذهب لنكمل قرأة قصتنا فيقول الكاتب :
ولا بد أن الغريزة عند الإنسان أيام كان في الغابة , قد ضعفت أو تلاشت عندما إنتقل من الغابة إلى الحقل ومن الحقل إلى المدينة .. أن " غريزة الغابة " هذه لم نعد نجدها إلا عند بعض الصيادين .. فكثير من الصيادين يشعرون بالوحوش تلقائياً ويتفادونها أو يتصيدونه ..

والصيادون يسمون ذلك : الحاسة السادسة .. أي الأحساس المباشر الواضح برؤية الوحوش أو سماعها عن بعد .. أو الأحساس بوقوع الحوادث في الغابة قبل أن تقع بوقت طويل .. إن هذه الغريزة كانت مركبة في رأس وقلب كل إنسان عندما كان في الغابة .. ولكنها " إنخلعت " منه .. أو " إنغرزت" في لحمه حتى تلاشت ..
وقصص الصيادين لا حصر أو عدد لها .. ولكن الصياد الشهير "جيم كوربت" يروي في كتابه :
" حدث ولم يحدث في الغابة "
كيف أنه غير طريقه أكثر من مرة لمجرد إن لديه إحساساً بوجود نمر أو أسد ..

وهو لا يعرف كيف حدث ذلك .. هل هي رائحة الأسد .. هل هو الصمت في الغابة .. هل هو إبتعاد الزواحف والقردة .. إنه لا يعرف .. ولا يمكن أن يقال إنه تدرب على هذه الأشياء بوعيه , وبعد ذلك أصبح الإحتراس والحذر بلا وعي ..
أي هل يمكن أن يقال أنه كصياد إكتسب عدداً من التجارب أصبحت لها قوة الغريزة .. فلم يعد يفكر كثيراً في الأحتراس من الوحوش . وإنما هو يتصرف تلقائياً .
إن هذا ينطبق على كثير من العادات في حياتنا ..
ونلتقي غداً..
ها قد جئنا لنلتقي لنتابع قصتنا المثيرة المليئة بالتشويق .. هيا بنا لنتابع ما يقوله المؤلف ..
كل عادة بدأت بأن تدربنا عليها بوعي وتفكير , وبعد ذلك أصبحت لاشعورياً .. فالذي يقود سيارة .. أو حتى الذي يمشي كان يحبو وهو طفل .. ثم أستند على أشياء .. ثم راح يمشي , وكان المشي مجهوداً فردياً عائلياً . ثم أصبح لا شعورياً .. هذا يمكن أن يقال على بعض الناس .

ولكن لا يمكن أن يقال على الحيوانات , فهي تذهب إلى أماكن لم تعرفها مطلقاً وهي مدفوعة أو مسحوبة بقوة خفية خارج الإنسان والحيوان .
بل إننا نرى بين الناس من يحس بوجود الماء تحت الأرض بمجرد أن يمشي فوق الأرض , وقد ذكرت حوادث كثيرة في هذا المكان في الأسابيع الماضية ..

ولا أن غريزة البحث عن الماء والإهتداء إليه كانت إحدى غرائز من ألوف أو ملايين السنين .. ولكن هذه الغرائز أو
حتي هذه المواهب , أو هذه القدرات الخارقة موجودة عند
" بعض الناس " .. ووجودها دليل على إنها كانت عند الكثيرين ولكنها بالوقت وأساليب الحياة المختلفة قد توارت
فلم تعد حيوية بالنسبة لأحد .
وكان الفيلسوف العظيم سقراط يقول :
إننا عندما نعلم الطفل , نحن لا نضيف إليه شيئاً جديداً , وإنما نحن نذكره بما كان يعرفه أجداده من ملايين السنين!

وإلى اللقاء في الغد لنكمل وأقول وداعاً ..🙋
جئت إليكم لنلتقي بكم ونكمل قصتنا المشوقة فهيا بنا يا رفاق لنرى بماذا يكمل المؤلف قصتنا ..
ولكن ما الذي جرى للإنسان في ملايين السنين ؟
لابد أن أحد أجدادنا من ملايين السنيين قد أستطاع أن يصلب عوده .. أن يشد ظهره .. بعد ذلك راح يمشي عليها .. وفي إستطاعته أن يمسك الأشياء بيديه .. أن يمسك حجراً أو شجرة .. ومادام المشي أصبح أسلوبه , فالأشجار لم تعد تهمه .. ولذلك إتجه إلى الأرض .. ومادام رأسه أصبح مرفوعاً , فإن أنفه أصبح أوسع .. وما دامت عيناه في وجهه , وإلى الأمام , وليست على الجانبين كبقية الحيوانات الأخرى , فإن نظرته أصبحت أمامه , وأصبحت ضيقة .. مركزة ..
و
منذ ذلك الوقت وأجدادنا يمشون على ساقين وينظرون إلى الأمام بتركيز .. وربما كان التركيز هو الذي أدي إلى تطور هذا الحيوان أكثر من غيره من الحيوانات الأخري .
والتركيز هو الإهتمام بكل شئ .. أو بالأشياء واحداً واحداً.
وهذا التركيز وهذا الإعتماد على الوعي هو الذي جعل الإنسان لا يستند إلى غرائزه" الفطرية " أو إلى "طبيعته الصادقة " في الحياة وفي الكفاح من أجل الحياة .
و
لذلك فالإنسان قد إبتعد تماماً عن غرائزه الأولى , هذه الغرائز الموجودة عند الحيوان .. وعند بعض الناس فقط : الشاعر والساحر والراهب !
فهؤلاء الناس عندهم هذه الغرائز أو هذه القدرات الغريبة التي يعتمدون عليها .. ولعلهم يشعرون بقوى أخرى خفية خافية علينا .. منهم الذين يدركون الجمال واليقين في كل الكون .. يرون ويسمعون الموسيقى وينبهرون للحقيقة الكبرى في الكون ويرون أن الإنغماس في الحياة اليومية معناه : نفي لهم من رحاب الكون ..

أو تبديد لقدراتهم .. أو تشتيت لملكاتهم .. ولذلك فإن الشاعروالساحر والراهب يغلقون عيونهم وآذانهم ووجدانهم عن"الحياة العادية" ويتجهون إلى الحياة غير العادية .. إلى الكون كله .. يرون ما لا نرى , ويسمعون ما لا نسمع , ويعانقون الله , أو الحقيقة المطلقة .

نلتقي غذاً..
الآن قد إلتقينا فلنري ماذ يقول المؤلف :
يكمل المؤلف فيقول :
والفيلسوف الوجودي مارتن هيدجر عندما قال : إنني أذهب إلى الحقيقة .. لا أسألها ولا أناقشها .. وإنما أحني رأسي لها .. وأنتظر ماذا تأمر به سيدتي .
إن هذه اللحظة الصوفية الساحرة : هي الإستسلام التام لقوى خارج الإنسان ..إنها لحظة طاعة مطلقة .. لحظة يتحول فيها الإنسان إلى حيوان غريزي ... يطيع ما لا
يعرف ومن لا يعرف وما يريد أن يعرف !
ولكن الإنسان في سعيه لأن يعرف , يريد أن يهرب من الضيق والتركيز وكلاهما يبعثان على التعب الذي يؤدي
إلى الملل .. 
ولكي يهرب الإنسان من الملل , فإنه يفتش عن الجديد , و يضع كل ما هو جديد في قانون .. ومن مجموعة القوانين
يكون لنفسه صورة جديدة من إبداعه أو من إكتشافه....
هذه هي الحضارة الإنسانية !
ورغم هذا الإبداع الهائل للإنسان في كل شئ , فإنه بطبيعته ضيق الأفق أو لابد أن يركز إهتمامه في مجال محدود .. هذا التحديد هو الذي يخنقه .
وإلى اللقاء ..
ورغم هذا الإبداع الهائل للإنسان في كل شئ , فإنه بطبيعته ضيق الأفق أو لابد أن يركز أهتمامه في محدود .. هذا التحديد هو الذي يخنقه .
تماماً كما نتفرج على راقصة .. إننا ننظر إلى لحمها وليس إلي ثوبها .. وكما نتفرج نتفرج على عارضة أزياء ,  فأننا ننظر إلى ثوبها وليس إلى لحمها .
ولما أدركت بيوت ألأزياء العالمية أن عارضات الأزياء يحاولن أن يكن راقصات .
ويتابع المؤلف حديثه قائلاً :
فينشغل الناس بالثوب وصاحبة الثوب , إختارت دور الأزياء فتيات نحيفات يابسات , أي ليست لهن أجسام
وبذلك لا ينظر الناس إلا إلى الثوب فقط !

هذا التضييق .. هذا التركيز .. هذا التحديد .. هذا الخنق والإختناق هو الذي يجعل الإنسان مستغرقاً في شئً واحد . هو مستغرق في شئ ونحن نجعله يتعود على ذلك .. كما
ينشغل الحلاق بالشعر , والجزمجي بالجزمة , وكما ينشغل مفتش الجمرك بالنظر إلى الناس على أنهم أخفوا شيئاً , وأنه لابد أن يجده .. وكما يفعل رجل الشرطة فهو ينظر إلى الناس على إنهم يتسترون على شئً , وأنه لابد أن يعرفه .. والذي ينظر إلى أحد رجال الشرطة وهو يعانق أحد المتهمين فمن الواجب ألا يرى في ذلك حباً وهياماً . وإنما هو فقط يريد أن يعرف إن كان المتهم يحمل سلاحاً في جيوبه ..

كل واحد ينظر إلى شئ معين .. وتدور دنياه كلها حول ذلك .. وينشغل عن أي شئ آخر في داخله أو في خارجه .. 
ويستكمل الكاتب حديثه قائلاً :
إلا بعض الناس الذين لديهم هذه القدرات الخارقة , التي كانت موزعة بالعدل بين الناس ... وإختفت في النور ..أي كلما زاد النور , وأرتفعت المصابيح وتطورت صناعتها وتعددت المهن والمجالات , ضاعت هذه المواهب .. وماتت كما تموت الأسماك عندما تخرج في الهواء ,
أو كما يموت الإنسان إذا وضع تحت الماء .. أو رائد فضاء إذا خرج من السفينة بلا خوذة !

وما تزال هذه القدرات موجودة بشكل ما .. وفي إستطاعتك أن تتذكر ولو مرة في حياتك إنك تحدثت عن فلان فوحدته أمامك .. أو رفعت سماعة التليفون تطلب فلاناً فوجدته على الخط .. أو نهضت من النوم فزعاً لأنك رأيت فلاناً قد داسته سيارة فوقع له حادث في نفس الوقت الذي صحوت فيه .. أو سمعت صوت أحد يناديك وعرفت بعد ذلك أن صاحب الصوت كان في محنة , في نفس الوقت الذي سمعت فيه هذا الصوت ..

وكثير من الأمهات يعرفن جيداً إذا فكرت في طفلتها التي تنام في غرفة أخرى فأن هذه الطفلة تصحو.. أو إذا ذهبت إلى سريرها ووجدتها نائمة ثم نظرت إليها فإن الطفلة تصحو .
أذكر أنا شخصياً , أنني عندما ركبت القطار من الأسكندرية إلى القاهرة أغفيت ربما دقيقة أو دقيقتين .. وعندما فتحت عيني .. أستغرق ذلك بضع ثوان , رأيت فيما يشبه الضباب أن جرسون القطار قد وقف وفي يده لوح زجاجي أخضر .. وفجأة وجدت اللوح قطعتين ..
 وأندهشت من سرعة ما حدث : أن أنام وأن أحلم .

وأستطرد المؤلف في أحلامه فقال في نفسه :
وقلت لنفسي : 
ربما كان كان سبب ذلك إنني مشغول بدراسة النفس الإنسانية وأعماقها .. ولكن حدث بعد ساعة , وهذا ما أدهشني , أنه في نفس المكان الذي رأيت فيه الجرسون أصطدم به واحد من الركاب فسقطت الصينية من يده وتهشمت كل الأكواب !

 لابد أن أشياء من ذلك قد حدثت للكثيرين , أو لكل الناس .. ولكننا ننسى .. أو لكننا مشغولين بما هو " عادي " في
حياتنا .. بما هو " ضيق " بما هو "خانق" لفكرنا ووجداننا ..
ولكن الإنسان في العصر الحديث بدأ يضيق بهذا الضيق بدأ يحطم قيود العادة أو قيود " الحياة العادية " .. يريد أن
يعرف .. يريد أن يفهم أعماقه هو .. يريد أن يسترد القدرات الخارقة التي كانت عنده .. والتي نراها في صورها الواضحة الصادقة عند حيوانات الغابة .. وعند عدد كبير من الشعراء والمتصوفين والرهبان والسحرة.
إنني أتذكر مقدمة كتاب بعنوان :"صورجديدة للكون" .. مؤلف هذا الكتاب الصحفي الروسي "أوسبنسكي" ..

يقول في المقدمة :
" العالم كله مشغول الآن بمؤتمر لاهاي" .. نحن الآن في سنة 1906 .

" كل الصحف التي تلقيتها اليوم .. كل الرسائل .. ولابد من أكتب شيئاً .. أن أقول رأياً .. هذا طبيعي .. ولكن ما الذي يمكن أن يقال ؟ هل أضيف كذباً إلى الكذب .. أضيف سطراً إلي ألوف السطور.. أضيف غموضاً إلى بقية الطلاسم .. لغزاً إلى بقية الألغاز .. لايهم أبداً .. سوف يقال الكثير .. ولن يتغيرإلا القليل .. سوف يبقى الملل بحراً بلا
شواطئ .. ليلاً بلا نجوم .. معني بلا محاولة لفهمه .. شيئاً بلا وزن ولا طول ولا عرض ولا ضرورة .. 
وأردف الكاتب مسترسلاً : 
لقد مددت يدي إلى درج مكتبي و سحبت الدرج فوجدت هذه الكتب التي شغلتني هذه السنوات لأنها شئ جديد .. و لأنها تستحق كل الأهتمام .. عظيم الأهتمام .. وهذه الكتب عناوينها : العالم الخفي .. الحياة بعد الموت .. قارة أطلانتس الغارقة في المحيط .. السحر الأسود .. عصر الشيطان ..
من الذي يعيش فوق ... هناك عقلاء في أماكن أخرى من السماء.. والإنسانية لن تخسر شيئاً إذا لم أكتب هذا المقال .
ولكنني أخسر الكثير جداً إذا لم أنحني على هذه الكتب لأنها طريقي إلى نفسي .. إلى أعماقي .. وأعماق كل الناس ..".
إن الذي أحسه أوسبنسكي من ستين عاماً هو بالضبط ما يجرف الفكر والوجدان في العالم اليوم :
يجب أن يعرف الإنسان ما الذي في داخل الإنسان .. ففي داخله الكثير فإليه وإلي أعماقه يجب أن تتجه كل قدراته!

ولأول مرة في تاريخ الإنسان نجد العلماء إبتدعوا عقاقير كيميائية مهمتها أن الإنسان يهرب من هذا الواقع إلى عالم آخر .. فأساس هذه العقاقير هو : كيف نهرب من واقعنا ..
كيف نرفض الواقع المؤلم ونعيش في خيال بعيد .. كيف نصنع لأنفسنا جنات زائفة , وفي هذه الجنات الزائفة تنفيس عن الحقيقة الأليمة ..
ويتابع المؤلف وهو يقول :
ولكن العلم الحديث خطا إلى أبعد من ذلك .. فالعقاقير لم تكتف بهرب الناس وإنما إختارت " تهريب " الناس .. أي
تهريبهم عن الوعي ..أي تهريبهم لكي يأتوا لنا بمعلومات
جديدة ..
إن الكاتب الكبير إلدوس هكسلي هو أول من إرتاد هذا المجال . فقد نشر في كتاب له بعنوان :"أبواب الإدراك" تجربته عندما تعاطى مادة المسكالين وراح ينقل إلى جهاز
تسجيل كل ما يشعر به .. بينما راحت زوجته تصف ملامح وجهه ..

وأستطرد المؤلف في حديثه وقال :
إنه كالذي قرر أن يغوص في الأعماق وأن يبعث إلى الشاطئ بمعلومات عن الحياة في الأعماق.. أو مثل رواد الفضاء الذين يذيعون كل شئ يرونه أو يشعرون به أولاً بأول .. حتى إذا أصابهم شئ , لم تخسر الأنسانية سوي أفراد , ولكنها أكتسبت علماً .. فهم ذهبوا إلى فوق ليصفوا لنا ما الذي هناك ..
إن هذه العقاقيرهي محاولات لرفع الأنقاض عن القدرات
الحقيقة للإنسان ..هي جلاء للمرآة .. هي إزالة للصدأ .
ولكن لماذا هذا الصدأ ؟
وعاد الكاتب ليقول :
نعود إلى قصة القط والفأر .. فقد أجرى بعض العلماء التجارب عليهما , منها تجربة تقليدية على قط في معمل .. ربطوا سلكاً يصل بين أذنه ومخه , وكانوا إذا أطلقوا صوتاً فإن المؤشرات ترتفع بشدة .. ولكن عندما أتوا له بمجموعة من الفئران وأطلقوا صوتاً لاحظوا أن المؤشرات لا ترتفع..
لماذا ؟
لأن القط ركز كل مخه على الفئران لدرجة أنه لم يسمع الأصوات المدوية إلى جوار أذنيه ..

وكذلك فقد يشغلنا شئ عن كل شئ .. تشغلنا حياتنا السطحية اليومية العادية عن أعماقنا وإكتشافها ... ولكن العلم الحديث
يتجه إلى معرفة السر والسحروالقوى الخفية الخافية في كل نفس .
وبعد هذه الصفحات التي كتبتها من أجل مزيد من الإيضاح أعود إلى نماذج من الناس الباهرين الساحرين , ولكنهم بشر
دائماً !
أنتهت .. إلى اللقاء

ليست هناك تعليقات: